بسم الله الرحمن الرحيم
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وزير تخطيط وعمران وزراعة
------
* ليس هذا العنوان خطابيا أو صحافيا لجذب قارئ ، إنما هو إحدى الحقائق الجليلة الجميلة عن الأعظم – صلى الله عليه وسلم – والذي كان يبني الدين مع الدنيا في آن واحد ؛ يبني الدين لإقامة الإنسان ساجدا لله في كل موقع وزمان ومكان ، ويبني الدنيا لإقامة حياة نافعة جميلة تليق بالإنسان العابد الساجد لله – وحده بلا شريك – في كل موقع وزمان ومكان .
* والمعلومات القادمة ليست من عندي ؛ وإنما من عند أستاذي العظيم القدير العلامة المجمعي الدكتور حسين مؤنس في أحد كتبه الرائعة الضاربة بجذور الفكر الراقي الجاد إلى أعماق الأرض ارتقاء باإنسانها إلى آفاق السماء ، وهذا الكتاب اسمه : “ دراسات في السيرة النبوية “ .
* أدعوك أيها القارئ النابه إلى قراءة هذا الكتاب لتطل من إحدى شرفاته السامية على أحد الجوانب العظيمة التي – في حدود جهلي – ما أعلم أحدا غير أستاذنا الكبير د: حسين مؤنس أشار إليها وكتب عنها بإعجاب وإكبار العالم الهادئ لا الخطيب الصارخ ، وإنني لأغبط أستاذي على هذا الكتاب ، فلو كتبت عشره لكان حسبي أمام الله يغفر به ذنوبي وخطاياي ، ويدخلني به جنة رضاه ، وإني لأحسب أستاذي كذلك ولاأزكي على الله أحدا .
* يقول العلامة الفذ عن المدينة المنورة : “ …… لم تكن هناك إذن “ مدينة “ تُسمى “ المدينة “ . والذي أنشأ هذه المدينة هو رسول – صلى الله عليه وسلم – ولهذا سُميت مدينة رسول الله … تخير جماعة من رؤساءالمهاجرين والأنصار – توسم فيهم الكفاية والقدرة على التنفيذ – فجعلهم أهل مشورته والمنفذين لما يعد من مشروعات وخطط … وأمر رسول الله بأن يعد طريق مُبلط من المسجد الجامع غربا حتى يصل إلى جبل سلع ، فتم هذا الطريق ….. واختار الرسول – صلى الله عليه وسلم – موضعا شرقي المدينة كان مُغطى بالأعشاب والصخور ونبات يُسمى ( الفرقد ) فأمر بتسويته وتمهيده وأنشأ فيه مدفنا للمسلمين سُمي ببقيع الفرقد ، ومد الطريق من بقيع الفرقد إلى المسجد ، بهذا أصبح في المدينة طريق واسع مُسْتعرض يمتد من شرقها إلى غربها ….. ومهد طريقا يصل إلى ( قُباء ) جنوبا وإلى واحة السُنح شمالا ، وبهذا تحول سهل المدينة إلى مدينة فعلا ؛ فإن الناس أخذوا يبنون على جانبي الشارعين الرئيسيين . وقُسمت الأرضُ ( دورا ) ؛ أي قطعا كبيرة ، أقطع الرسول – صلى الله عليه وسلم – لكل من احتاج من المهاجرين من الصحابة دارا ؛ فكانت هناك دار طلحة ودار الزبير ودار عُبيد الله بن الحارث مثلا . “
* “ وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد اتفق مع الأنصار على أن له الحق في التصرف في كل أرض غامرة لا تتيع أحدا ، فأخذ يعطي من هذه الأراضي واشترط التعمير – أي البناء والزرع – فأقبل الناس يبنون ويزرعون ، واتصلت الواحات بعضها ببعض فتحول السهل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم .”
* واهتم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإقرار الأعراب ؛ أي تحويلهم من البداوة المتنقلة إلى الاستقرار المؤدي إلى الحضارة ؛ فهو يعلم أن الحضارة مرتبطة بالاستقرار …. “
* “ …. ومن دلائل صدق نظرته العمرانية اهتمامه بالغراسات ، وهو ما نسميه اليوم بالسياسة الزراعية ؛ فقد كان يشجع أصحابه على الغرس ، ويبارك لمن ينشئ منهم حائطا ؛ أي أرضا مزروعة عليها سور . وكان يستحب من أصحابه زرع القمح والفواكه والنخيل ، وكان يقول : إن من زرع في الأرض نخلة كانت له روضة في الجنة . “
* “ وكان بُعْنى بأعمال العمران ، فقد كان هناك واد يعوق المواصلات داخل المدينة فأتاه رجل وقال : ألا أُقيم لك معبرا ، لقد تعلمت ذلك في أرض فارس . فقال له الرسول إنه إن فعل ذلك فله من الأرض ما أحب . وأقام الرجل المعبر ، وأعطاه الرسول – صلى الله عليه وسلم ما طلب من الأرض . “
* “ وكان يحب البناء المحكم ولا يميل إلى التأنق في المسكن ، ولكنه كان يحب البناء الحسن . فبنى واحد من أصحابه بيتا حسنا وكانت في رحبة الدار بئر ، فلما زاره الرسول – صلى الله عليه وسلم – طلب إليه أن يبني بالآجر ويجعل لها حافة من حجر وأن يجعل إلى جانبها حوضا من حجر أبضا ، وأن يملأ الحوض كل يوم ويغطي البئر والحوض حتى لا تقع فيهما البهائم والهوام . “
* الكتاب مليء بجوانب عظمة قلما تطرق إليها أحد من الكاتبين عن السيرة الفخمة الجميلة النافعة ؛ لذا أرجو الله أن يشرح صدورنا جميع لقراءة هذا الكتاب .
* ملحوظة للقارئ النابه :
لأستاذنا العلامة الدكتور حسين مؤنس قصة تحفة اسمها : “ إدارة عموم الزير “ نشرتها جريدتي الوقور في أواخر سبعينيات القرن الماضي – إن لم تخني الذاكرة – وهي قصة تشخص مأساة الإدارة في مصر ، ولو قرأتها – عزيزي القارئ النابه – اليوم ( 2009 ) لشعرت أن كاتبنا الفذ كتبها أمس ( 1- 1- 2009 ) فقط .
* وله كتاب عن “ نور الدين محمود “ بطل حرب الفرنجة الأقوى والأعظم تأثيرا والأقل شهرة – في حروب المسلمين ضد الفرنجة – من صلاح الدين الأيوبي . أرشحه لك لتقرأه ، وكاتبنا الفذ ذو أسلوب سهل ممتنع ؛ أي إنسان يستطيع فهمه ، وأفكاره عميقة بدون غرق ، وغزيرة دون حيرة ، وبسيطة دون سطحية !!! أنظرك متسائلا : كيف ؟ أجيبك مطمئنا : هذا هو السهل الممتنع الذي لا يتمتع به إلا الأقلون من عباقرة الكتاب على مستوى العالم كله .
* وإلى لقاء مع عباقرة مصر والعالم عسى الله أن ينفعنا بعلمهم في الدين والدنيا والآخرة .