انا والحمار وسموه
البارحة وانا أمتطي عربيتي باحثة عن عطر فرنسي لارضي به غروري ..داهمتني سيارة شخص من الجهة المقابله يقودها مجنون رسمي حيث وهب نفسه ميتا لحرب الشوارع ...ثوان وإذا بمجنون من طراز آخر يلتصق بالسيارة من الجهة الخلفية وأصوات النفط المحروق تغلي في عروقه حيث يريد اجتيازي بأي ثمن ...
اتفقت انا وحجر الصوان الذي يترأس جسدي أن لا أعطيه مجال اجتيازي ...وانا اضيق عليه كل الطرق لاكون كما انا ثابته في مكاني .... نظرت إليه من المرآة بكل برود فرأيت كل ما به يثور ...وسييارته انتحلت دور الثور الاسباني في عرضه السنوي .... لكن ما زال حجر الصوان في أشد إرساله ...
فكلما حاولت أن أسبقه جعل من البنزين نارا ومن المحرك دبابة وكانه اعلن حربا عالمية جديدة ...في النهاية لم استسلم لجبروت شاب كل همه اجتيازي لكوني امرأة .... لكنه سلم نفسه لجهله وغبائه المعتاد ليجتازني من جهة يحظر عليه المرور منها ... لكن حظه الكبير بأن الشرطة كانت في سباتها العميق في تلك اللحظات ... تمنيت لو رأيته مكبلا في قيود السرعة ...لكي أمن عليه بكرمي فأحضر له حلاوة وعيش من الصنف الغالي ...
في الحقيقة اكتفيت بنظرات السخرية لتصرفه في لحظات "انتصاره المروري " ... وتمنيت أن أرميه بحجر في طيات رساله تقول له : انتم هكذا يا معشر الرجال لا تقبلون ابدا في ان تقودكم امرأة ... او حتى أن تتخطى غروروكم ... " ...
وأنا هنا أصور لكم مشهدا يبث أمام مرآة عيني عشرات المرات في اليوم أثناء ذهابي وعودتي من العمل ....
وحين ارتدت الاشارة ثوبها الاحمر معلنه التوقف بدات الافكار في عقلي بالإجتياز المخالف ... فكم استمتع في الجلوس أمام هذا المقود ... وكم من الحالات التي أعيشها مع فيروز الصباح ووردة الظهر ونجاة العصر وحليم الليل ... كم هي مغرية السيطرة على الأشياء ...
حوار خافت بدأ يطاردني وأنا اطبق تعليمات القانون .... وأسئلة تسللت من جوانب الطريق لتجلس بجانبي وتحاورني ... فلماذا استمتع بقيادة هذه المركبة الحديدية رغم التعب الجسدي الذي يرافقني أثناء الحدث اليومي هذا ؟؟؟ الأنني أختلي بذاتي وأنتقل مع دندنة العباقرة إلى خيال اصور فيه كليبات واقعية ؟؟؟ أم لأنني أستنشق هواءا ربيعيا في الشتاء ... ؟؟؟ أم لأنني أحترف اجتياز المركبات ولي في التعامل مع الشارع والافتات عشرة وموده ورحمة ؟؟؟
وفي الاتجاه المعاكس للحوار انبثق صوت دوى في أذني كدوي المدافع في آذان اهل الكهف الشرقيين ...صوت انبعث في زحمة السير ليلقي خطابا ناصريا في عهد اندثرت فيه الخطابات :" إن حبك يا سيدتي لهذه الاله ما هو الا منبع لحب المرأة تملك الاشياء ....ففي الشارع تجدين الرجل المرأة يطبقان نفس النظام والمخالفة عمومية وهذا ما قد لا بنفذ في مجتمع الديوك ... وأكمل الخطاب ذلك الخفي القوي ليشير بأن متعة التجاوز والانحراف عن الخطوط المرورية ما هي الا متعة في الطيران الداخلي .. وهذا لا يشعره إلا الصقر شامخا في أعاليه ...
وانا امتطي الشارع أستطيع أن أحلق .. أن أغوص ... وأن أتملص احيانا كثيرة من عيون الهيئة التشريعية ...والتنفيذية كذلك ... وهذا ما نفتقده في الحياة ... فللطيران قوانين وللغوص حدود وللتملص عقوبة ...
لكن ... الاتجاه المعاكس بداخلي اصيب بحادث مروري عندما انهال عليه لوحا خشبيا لصوت رجل في الأربعينات وهو يخرج رأسه من السيارة شاتما:" اللي اداكم الرخص حمار ابن حمار" ... وهو طبعا يقصدنا نحن القوارير ... حينها فهمت بأن الإشارة أعطتني الحق في المرور ..لكن قوانين السير في جمجمتي أنستني ذلك الحق مما تسببت في أزمة مرور لأقل من ستين ثانية ألمانية ... وحينها فقط أدركت أيضا لماذا غنى العرب "وبحبك يا حمار " ...
رشا منصور
2010-4[b]